الاتفاق والاختلاف بين الفلسفة والعلم
هناك جوانب تتفق فيها الفلسفة مع العلم رغم ما بينهما من فروق واختلافات، ويمكن أن نوجز أهم أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما في النقاط الآتية:
1. تتفق الفلســفة مع العلم في دراســة موضوع واحد هو الكون والإنسان، لكن نظرة كل منهما إلى هذا الموضوع مختلفة. ففي حين ان العلم يقسم موضوعه إلى فروع يقوم أحد العلوم بدراستها: فيتولى علم الفلك دراســة الأجرام الســماوية بقصــد الوقوف على القوانيــن التي تتحكم فيها، ويدرس علم النبات مملكة النبات وعلم الجيولوجيا القشرة الأرضية – في حين أن العلم يقسم الموضوع إلى شــرائح على هذا النحو فإن الفلســفة تدرس الموضوع «ككل»، ولهذا فهي تفضل أن تقول إن موضوعها هو «علم الوجود بما هو موجود» أي أيا كان نوع الموجودات.
2. من نقاط الاختلاف الأساســية بين الفلســفة والعلم: منهج البحث الذي يسير عليه كل منهما فإذا كان العلم قد اتخذ سبيل المنهج التجريبي الاستقرائي، فإن الفلسفة تعتمد على منهج النظر العقلي والاســتدلال المنطقي، وتقيم حججها على منطــق العقل وحده الذي تحتكم إليه في كل خطوة من خطوات سيرها دون أن تلجأ إلى الوقائع الحسية التي كثيراً ما تكون موضع شك عند بعض الفلاسفة، ومع ذلك فإن الفلسفة والعلم يتفقان على ضرورة وجود منهج للبحث.
3. نقطة البدء في التفكير العلمي هي ملاحظة ما في هذا العالم من جزئيات محسوسة، فالعلم يعتمد في حقائقه على التجربة، ويســتبعد ما عداها، أما الفلســفة فتعتمد في حقائقها على العقل، وهي تمثل وجهة نظر الفيلســوف في الحياة، وتتضمن المبادئ العامة التي يبني عليها الفرد معتقداته الخلقية والاجتماعية والفكرية، لذلك يقال إن حركة ســير الفكر في العلم تبدأ من الخارج (أي من الظواهر الحســية) في حين أن حركة ســير الفكر في الفلسفة تبدأ من الداخل، أي من التأمل العقلي للفيلسوف فيما يدور حوله من مشكلات تتعلق بالإنسان والوجود والمعرفة.
(4) إذا كان العلم يهدف إلى الكشــف عن القوانين التي تتحكم في ظواهر الطبيعة فإن الفلســفة لا تســعى إلى اكتشــاف قوانين بل الكشــف عن الحقيقة في ذاتها ولذاتها ســواء حقيقة العالم أو الإنسان أو العلاقة بينهما، أو علاقة الإنسان بأقرانه من البشر في صورة كلية شاملة دون أن تهتم كثيراً بالجزئيات.
(5) يتفق العلم مع الفلسفة في البحث عن العلل، غير أن العلم يسعى إلى الكشف عن العلل القريبة أو المباشــرة التي تحدد لنا أسباب حدوث الظاهرة ومسارها: علة غليان الماء، أو سقوط المطر، أوتمدد الحديد…إلخ، أما الفلسفة فهي تسعى إلى الوصول إلى العلل البعيدة والأسباب النهائية أو المطلقة، بل إنها تحاول في كثير من الأحيان رد العلل المتعددة في العالم إلى علة واحدة كلية.
(6) إذا كان العلم يدرس الظواهر الحســية الموجودة أمامنا في العالم فهو يدرس ما هو كائن دراسة «وصفية» عندما يصف هذه الظواهر، أما الفلسفة فمن مباحثها «مبحث القيم» ويشمل ً أفرعا تدرس ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن، ومن ثم فهي علوم «معيارية»، فعلم المنطق يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه التفكير الســليم، وعلم الأخلاق يتناول ما ينبغي أن يكون عليه الســلوك القويم، وعلــم الجمال يبحث في العناصــر التي ينبغي توافرها في الموضوع ليكون ً جميلا، والبحث في ما «ينبغــي أن يكون» هو بحث معياري NORMATIVE ولايرتبط بالبحث العلمي الذي هو بحث «وصفي» تقريري قائم على دراسة ما هو كائن.