نشأة التفكير الفلسفي ومعنى الفلسفة
نشأة التفكير الفلسفي
معنی الفلسفة
ليست الفلسفة غريبة عنك أو بعيدة عن حياتك، وإنما هي قريبة منك، لأنها تثير تساؤلات، وتطرح اسئلة من صميم هذه الحياة، فلا شك أنك كثيرا ما سالت نفسك هذه الأسئلة الأتية كلها أو معظمها: هل هذا الكون الذي نعيش فيه عبارة عن مادة ميتة جامدة فحسب، أم أنه يحوي عناصر أخرى غير مادية؟ أهو يخضع لقوانين آلية حتمية صارمة، أم أنه يتضمن خطة وغاية أو غرض وهدفا؟ وما المقصود بالمادة ؟ هل عقلي الذي الآن ويتعجب ویدهش ويتخيل ويتصور. إلخ هو مجرد مادة، أو خلايا في الدماغ أو مجموعة من الذرات التي تؤدي وظيفة من وظائف الجسم فحسب أم أنه شيء مختلف عن ذلك أتم الاختلاف؟ اني إنسان حي: فما معنى الحياة؟ وما الفارق بيني وبين الكائنات الحية الأخرى؟
وهل معنى هذه الأسئلة اني قادر على طرح أي سؤال، وهل من الممكن أن أجد الإجابة عن كل سؤال أطرحه، وأن أعرف كل شيء، أم أن هناك حدود لمعرفتي؟ وإن كانت الأخيرة فما حدود هذه المعرفة .؟ وما وسائلنا إليها؟
العالم من حولي ملآن بالموضوعات الجميلة سواء أكانت طبيعية أم فنية: فبعض المنازل والمناظر في مدينتي أو مدرستي جميل وبعضها قبيح، فما الجمال وما القبح؟ وما هو ذلك الشيء الذي نستمتع به حين نستمع إلى قطعة من الموسيقى أو قصيدة من الشعر أو ننظر إلى لوحة فنية؟ وما الذي تعجب به في المباني أو في المتاحف أو المعابد والأماكن الأثرية؟ إني معجب بغروب الشمس ورؤية القمر وسط السحاب، و بالأزهار والورود، وأوراق الخريف، وخرير المياه، وانحدار الشلالات – أكان من الممكن أن تكون الطبيعة جميلة ما لم تكن هناك عين ترى، وأذن تسمع، وذهن يقدر..؟
إني أرى بعض الناس يكافحون الظلم والعنف والقوة، وإني لشغوف بمعرفة العدل والظلم والرحمة والوقوف على الأسباب التي تجعل الناس يتصارعون ويقتلون ويستعبد بعضهم بعضا وهذه الأسئلة كلها تمثل مشكلات فلسفية، وطرحها والتفكير فيها وامعان النظر ودراستها بطريقة منظمة في محاولة للوصول إلى إجابة عنها: تلك هي الفلسفة.
فالمذاهب المادية والمثالية والروحية والطبيعية. إلخ هي كلها محاولات للإجابة عن الأسئلة السابقة ولا شك أن الإنسان العادي يسأل هذه الأسئلة ويجيب عنها بطريقته الخاصة البسيطة وربما الساذجة، ولهذا قيل: إن لكل إنسان منا فلسفته الخاصة أراد أم لم يرد، وذلك يعني أن لكل منا مسلکه الخاص في الحياة.
ونظرته إلى الكون والناس وقيمه الخاصة، وتقديره للأمور، وزاوية معينة يحكم منها على أحداث الحياة, وليست الفلسقة بصفة عامة، سوى هذه النظرة الكاملة والفارق بينها وبين فلسفة رجل الشارع، إن نظرة الفيلسوف أشد عمقا وترابطا و تنظيما وتماسكا وصراحة، فضلا عن أنها توضع في لغة اصطلاحية خاصة.
( 1 ) التعريف اللفظي للفلسفة
لكن ما المعنى اللغوي لكلمة الفلسفة philosophy؟ لاحظ أن اللفظ واحد في جميع اللغات ذلك لأن أصل الكلمة يوناني، فهي مشتقة من مقطعين هما philos بمعنی حب و sophia بمعنی حكمة، فالفلسفة هي اذا محبة الحكمة، والحكمة تعني لدى اليونانيين المعرفة بكل ألوانها وأشكالها, والمحبة تعني التحرك والاقبال، وليس الشعور والإحساس فقط. وهكذا فإن الفلسفة، أي محبة الحكمة تعني الإقبال نحو التزود بالمعرفة، والفيلسوف هو محب الحكمة، وكان الفيلسوف اليوناني فيثاغورس pythagoras عاش من ( (582-500 ق.م) هو أول من استخدم هذا اللفظ حين قال عن نفسه أنه محب للحكمة أي فيلسوف، ثم جاء سقراط ( 470 – 399 ق. م)، وأطلق على نفسه لقب فیلسوف أي محب للحكمة تمييزا لنفسه عن طائفة السوفسطائيين sophisis (أي الحكماء بالفعل)، وقال عبارته الشهيرة: “کلا لن أسميهم حکماء، لأن الحكمة اسم لا يضاف إلا إلى الله وحده، لكني أسميهم محبي الحكمة، أعني فلاسفة وذلك هو اللقب المتواضع الذي يناسبهم”
(ب) التعريف الاصطلاحي للفلسفة
غير أن المعنى الاصطلاحي للفلسفة كان يختلف باختلاف العصور والمذاهب الفلسفية المنوعة فقد حصرها سقراط في دراسة الحياة الأخلاقية، وذهب إلى أن الحياة التي لا يتم فحصها غير جديرة بأن يحياها الإنسان، كما ذهب شيشرون إلى أن الفلسفة هي المدبرة لحياة الإنسان بما تقدمه له من قواعد السلوك وتعريفه معاني الحق والواجب. والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، وما ينبغي أن يتحلى به أو يتخلى عنه بحيث يسلك مع أقرانه من البشر المسلك الذي يلائم قواعد الخلق القويم والسلوك المستقيم.
غير أن هذا المعنى الضيق الذي يحصر الفلسفة في نطاق الأخلاق اتسع عند أفلاطون وأرسطو بحيث أصبحت الفلسفة دراسة للكون ولكل مناحي الحياة الإنسانية، ومحاولة للوصول إلى الحقيقة في كل مجال من هذه المجالات بغض النظر عن المنافع العملية المترتبة على معرفة الحقيقة، ثم اهتمت في العصور الوسطى بالبرهنة على صحة القضايا الدينية، وجود الله وخلود النفس إلخ والتوفيق بين العقل والنقل أو الحكمة والشريعة – على حد تعبیر ابن رشد.أما في الفلسفة المعاصرة فقد بدأت تظهر – في أواخر القرن الماضي وأوائل الحالي – نزعة عملية واضحة تسود التفكير الأمریکي هي التي سميت باسم المذهب العملي أو البرجماتية pragmatism. التي رأى أحد أعلامها (وليم جيمس 1842 – 1910 ) أن الفلسفة ليست إلا رجلا يفكر بقصد تحقيق منفعة عملية ينشد تحقيقها، أي أنها ليست بحثا في مشكلات نظرية وقضايا تأملية، بل هي التفكير في تحقيق المنافع العملية، وكذلك ذهب مارکس 1818 – 1883 م إلى القول بأن الفلاسفة قد دأبوا على تفسير العالم بطرق شتى، ولكن مهمة الفلسفة – في اعتقاده هي العمل على تغيير العالم، وتعديل النظم القائمة وتخليص الإنسان من الظلم وطغيان الخرافات. كما ظهرت إلى جانب البرجماتية، والماركسية مذاهب فلسفية أخرى كثيرة، كالفلسفة التحليلية، والوضعية المنطقية، والوجودية.. إلخ وتسعى كل منها إلى تعريف الفلسفة تعريفا خاصة، فكانت الوجودية، مثلا، صرخة لإنقاذ الفرد من طغيان الجماعة وسيطرة التقاليد، واهتمت بموضوعات مستمدة من الذات البشرية مباشرة: كالحرية، واتخاذ القرار، والمسؤولية. والتناهي والإثم، والقلق، والذات الحقة والذات الزائفة، والحسب، والجنس، والموت والألم، والعذاب إلخ لأن هذه الموضوعات في نظرهم هي التي تشكل جوهر الوجود البشري، وتميزه عن غيره من الموجودات الأخرى، وهكذا كانت أعظم موضوعات الفلسفة الوجودية وأكثرها تألقا هي الحياة العاطفية للانسان بصفة عامة.