الصف السادسلغة عربية

نص درس على قِمَّة الجبل لمادة اللغة العربية للصف السادس الفصل الدراسي الثاني

نص درس على قِمَّة الجبل لمادة اللغة العربية للصف السادس الفصل الدراسي الثاني لمنهج سلطنة عمان

في قريتِنا نتعلّمُ منذُ الصّغرِ أمورَ الفلاحةِ، وصعودَ النخيلِ، وكيف نقيسُ أثرَ الظلِّ، ومتى يكونُ موعدُ ماءِ الفلجِ حاضرًا، نقتربُ كثيرًا من الأرض؛ من طينها وحشائشِها وحشراتِها، نحرُثُها ونقلّبُ تربتها، نمشي في مائِها، ونقطفُ من ثمارِها، ونستظلُّ بظلالِها، ثمّ نحفظُ مطالعَ النجومِ في ليلها، ونستمعُ إلى حفيفِ أوراقِ أشجارِها في العتمةِ.
كنّا نذهبُ معًا في مواسمِ القيظِ إلى جني ثمارِ النخيلِ، أنا وعمّي وزوجتُه، وأُمَى وإخوتي الصغارُ، كنتُ أصعدُ إلى النخلةِ وأجزُّ العذوقَ، وأزميها، وهم يتولَّون جمعها وخرطَها، ولملمةَ ما تناثرَ على الأرضِ.
ذاتَ يومٍ، قلتُ لعمي سعيدٍ: – غايتنا .. فقهقة عمي وقالَ: – زِمْ زادَك.
ثمّ عُدْنا إلى رحلاتِنا السابقةِ في الجبالِ، نشاهدُ الوعولَ في الوديانِ، نصعدُ القممَ ونشربُ من المياهِ العذبةِ التي تنبُعُ من تحتِ الصخورِ، وكنّا نعودُ بشتَّى أنواع الحشائش والأعشاب والزهورِ؛ بعضُها للعلاج، وبعضُها للعطور، وبعضُها الآخرُ يُعطي الآكلَ مذاقًا لذيذًا.

عندَما عُدْنا إلى تزهاتِنا في الجبالِ، شَعَرْتُ أنْ كلِّ شيءٍ خفَّ إلى استقبالِنا مُرحّبًا؛ خريرُ المياهِ بينَ الحصى والصخورِ، أشجارُ العُسيقِ تَعْزِفُ بأصابِعها النحيلةِ متمايلةً مع الرّيحِ، زهورُ شجرٍ القَفْص تتأرجحُ مثلَ أجراسٍ صغيرةٍ، النحلُ الطائرُ من أزهارِ الأرض إلى خلاياه المعلّقةِ في أعالي الجبالِ، الحيواناتُ الحذرةُ التي تُطلُّ من جحورِها ثمَّ تختفي خائفةً …
كانتْ وجهتُنا هذهِ المرَّةَ قمّةَ الجيلِ، وكنتُ خلفَ عمّي (سعيد) أقتفي خُطُواتِهِ، وأتعلُّمُ منه حُبَّ الطبيعةِ التي وهبَها اللّهُ لنا.
كان عقّي يمشي أمامي منكّسًا رأسَه، مراقبًا موضعَ خطواتِهِ، ويتحدّثُ بصوتٍ خافتٍ لكنّه قريبٌ: (دغْ عَيَيك للبعيدِ، واتركْ أذنَيْك للقريبِ، ابحثْ عن مصدرٍ الصوتِ يبصرِك، وكُنُّ دائمًا على أتمّ الاستعدادِ».
كانَ يصعدُ إلى الأمامِ خُطواتٍ ثُمَّ يقفُ، يُراقبُ الأماكنَ، يتأمَلُ الكهوفَ والمغاراتِ، ثمّ يصعدُ ثانيةً، يتوقّفُ ليستريحَ من دون أنْ يجلِ، ينظرُ إلى الأسفلِ، يسألُني إنْ كنتُ قد تعبتُ، ثمَّ يُعاوِدُ التقدّمَ.

إنَّ الصعوذ إلى قمةِ الجبلِ أمرٌ شاقٌّ وصعبٌ، فهي عاليةً جدًّا، ومن فوقِها رأيتُ القرى البعيدةَ، ورأيتُ جبالاً أخرى قريئة متي، وهناكَ في القمّةِ كانت نسمات الهواءِ نقيَةُ باردةً ولطيفةُ في تلكِ الساعاتِ من النهارِ.

وعلى القمّة، شجرةُ سُمرٍ وحيدةٌ، وبالقربِ منها ينبعُ الماءُ من صخرةٍ متدفْقًا نازلاً على الصخرِ حتّى يتجمّع في بركةٍ صغيرةٍ، سألْتُ عمي متعجّبًا: “كيفَ يبقى الماءُ في أعلى القمّةِ، ومن أين يأتي؟”
كانَ جوابُه بأنَّ مخازنَ الماءِ في الجبالِ كثيرةٌ، وأنَ عروقَ الأرضِ بالداخلِ – مثلُ سواقي الأفلاجِ- تأخذُ الماءُ من أماكنَ بعيدةٍ وتأتي به إلى هذه العينِ وغيرِها المنتشرةِ في الجبالِ … أعجبني تفسيرُه … نّفتُ بِركةَ الماءِ من الطحالبِ التي تُعَطّي سطحَها، ثمّ ملأتُ القِربةَ وعلّقْتُها على السمرةِ.
مشَيْتُ حافيًا ناحيةَ البِركةِ، تجذِيُني الزَّرقةُ وهذا الماءُ الباردُ، قَفَزْتُ إلى وَسَطِ (الجابيةِ)(*)، شهَقْتُ من برودتِها، كانت برودةُ الماءِ تزِدادُ كُلّما تعمّقْتُ إلى الداخلِ.
المبيتُ في قمّةِ الجبلِ مختلفٌ عن المبيتِ في أيّ مكانٍ آخرَ؛ الهواءُ باردٌ ونقيٌّ، شعرتُ بأنّني معلّقٌ في الفضاءِ، رأيتُ الأشياءَ في الأسفلِ صغيرةً جدًّا، لكنَّ الشماء فوقي كانت واسعةُ وعظيمةُ. استلقيتُ بعد العَشاءِ فاتحًا عينَيَّ على النَّجومِ، أستمعُ إلى حكاياتِ عمي إلى أن غرقتُ في نومٍ عميقٍ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Alert: Content is protected !!