الإنسان كائن أخلاقي تعريف الخلق ووسائل تربيته وعلاجه
١ – الإنسان كائن أخلاقي:
صحيح أن لدى الإنســان حاجات عضوية يتعي مــع الكائنات الأخرى التي تتصرف وفق مــا تمليه عليها غرائزها، لكنه من جهة أخرى يختلف عن تلك الكائنات في أنه الكائن الوحيد الذي يســتطيع أن يقاوم دوافعه ّ ويوجهها وجهة إنسانية، أى أنه يجعلها دوافــع فــي خدمة الغايات ً عوضا عــن أن تكون دوافع في ذاتها. وقد فطن الفلاســفة منذ البداية إلى أن الإنسان هو وحده القادر من بين كافة المخلوقات على مراقبة حوافزه ووضع ّحد لرغباته، وإعلاء غرائزه، وتصعيدها فقالوا عنه إنه الكائن الذي يسعى ً دائما إلى أن يضع نظام القيم الأخلاقي محل نظام الحاجات البيولوجية فاســتحق بذلك أن يطلق عليه اسم «الكائن الأخلاقي» دون غيره من سائر الكائنات. وحقيقة الأمر أن الإنسان يكشف باستمرار نقص الواقع القائم وضعفه، فتراه يتطلع إلى تجاوزه، ويطمح إلى بلوغ حالة الكمال التي لم تتحقق أبداً فيه. فحكم الكمال والتطلع إلى الأفضل والرغبة في سد النقص، والانفتاح على المستقبل وآفاقه، إنما تمثل مطامح أبدية لا نهائية لا يمكن إطفاء جذوتها لدى الإنسان ولا تسكينها. والحقيقة أن الإنسان يظل ً دائما في حالة حركة دائبة لا تتوقف أبداً وتضع على الدوام ً أهدافا أكمل وأعلى وأبعد وترســم باســتمرار صورة المثل الأعلى المنشــود. وهكذا فإننا حين نقول عن الإنســان إنه «كائن أخلاقــي» فإنمــا نعني أنه المخلوق الوحيد الذي لايقنع بما هو قائم بالفعل بل يحاول ً دائما تجاوزه بغية الوصول إلى ما ينبغي أن يكون. ولهذا فإن الحياة الإنسانية الصحيحة، إنما تتمثل قبل كل شيء في إدراك ذلك الكائن الأخلاقي (الإنســان) لذلك التعارض الشــديد بين «الكائن الواقعي» بنقصه وضعفه «والكائن المثالي» بكماله وســموه، ومن الســعي الدائب إلى تجاوز الحالة الأولى بهدف الوصول إلى الحالة الثانية. وبغير هذه الطريقة لا يصح لنا التفريق بين مملكة الإنســان، ومملكة الحيوان الأخرى التي تقتصر حركتها على إرضاء الغرائز المرتبطة بحاجاتها البيولوجية.
٢ – تعريف الخلق:
الخلق صفة متأصلة في الإنسان، بل إن هناك من يذهب إلى أنها غريزية فيه. وقد عرف الخلق تعريفات شــتى فيها ما نجده في القاموس المحيط بأن « الخلق هو الطبع ّ والســجية» ومنهــا تعريف الغزالي بأنه «هيئة راســخة في النفس وتصدر عنها الأفعال بســهولة ويســر من غير فكر ولا روية» وعرفه البعض بأنه «عادة الإرادة» فإذا اعتادت الإرادة على العطاء السخي سميت هذه العادة بخلق الكرم. وحتى تصدر العادات الطيبة والأفعال الصالحة باستمرار عن الخلق، وبدون عناء أو ملل لا بد من توافر الوسائل الكفيلة بتربيته.
٣ – وسائل تربية الخلق:
هناك أمور تعين على تربية الخلق من أهمها:
أ – توسيع دائرة الفكر:
لأن ضيق الفكر يحجب عن العقل رؤيةالحق، وتأتي أحكامه ناقصة أو باطلة، مما يجعله مصدراً لكثيرمن الرذائل كالتعصب بشتى ألوانه، وما يثيره من فتن وصراعات.
ب – صحبة الأخيار: الإنسان بطبعه ميال إلى التقليد، فكما يقلد من حوله في أزيائهم، فإنه يقلدهم في أعمالهم ويتخلق بأخلاقهم. فمعاشــرة الأخيار تربي الخير في النفوس الشــريرة، ومعاشــرة الشجعان تلقي الشجاعة في نفوس الجبناء.. وهكذا. قال حكيم «أنبئني عمن تصاحب أنبئك من أنت» وفي الحديث الشريف «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
جـ – ترويض النفس على فعل الخير: بحيث يصبح لديها «عادة» ويصدر عنها دون عناء أو ملل.
د – أن يكون الخير الهدف الأسمى الذي يتطلع الإنسان إلى تحقيقه في حياته، ويجعله غاية الغايات في كل أفعاله وأعماله.
هـ – الاطلاع على سير الأنبياء والرسل ففي حياتهم من الأعمال الجليلة ما يوحي بالتقليد والاقتداء بهم.
٤ – علاج الخلق:
إن التخلص من ُخلق سيء لا يتأتي عن طريق التفكير الدائم فيه، أو إطالة محاسبة النفس عليه، بل إن ذلك يتم من خلال الاجتهاد في أن يستبدل به ُخلق جديد كريم. وفي هذا الصدد يقول «أرسطو»: إذا ّ تعدى ُخلق امرئ َّحده، فليقومه بالميل إلى ضده. فإذا أحس الإنسان بإفراط في نوع من الشهوات، فعليه أن يضعفه بشيء من الزهد. ً فمثلا، على مدمن الخمر ألا يطيل التفكير في إدمانه إلا بمقدار ما يتحول عنه، كأن يوجه اهتمامه نحو أفعال نافعه له ولمجتمعه.