الفلسفة

طبيعة المعرفة عند المثاليين

الاتجاه المثالي: Idealism

وهذا المصطلح مشــتق من كلمة Idea بمعنى فكر أو فكرة – وهو اتجاه فلســفي يتعارض بشــكل قاطع مع المادية، فالمثالية تبدأ من المبدأ القائل إن الحقيقة النهائية ذات طبيعة عقلية أو ذهنية أو فكرية أو روحية، ومنهم من ينكر الوجود المستقل للأشياء خارج الذات المدركة وهم (أتباع المثالية الذاتية).

من ممثلــي الاتجــاه المثالــي إيمانويل كانط (م١٨٠٤ – ١٧٢٤)  

عرفت مثالية «كانط» باســم «المثالية النقدية»، يميز «كانــط» بين المفاهيم العقلية «الســابقة علــى التجربة»، والمعارف المكتســبة عن طريق التجربة، وتعتبر الأولى ضرورية لإدراك الأشياء ومعرفتها.وترتبط صفة «المثالية» في هذا الاتجاه بقول كانط: إن هناك ً شروطا أولية يضعها العقل دون اعتماد على التجربة (أي سابقة على التجربة) هي التي تجعل التجربة ممكنة.أمــا كونها «نقدية» فلأنهــا ترى أن هناك حدوداً يتعين على العقــل ألا يتخطاها في مجال المعرفة، فمجال العقل ينحصر في حدود الظواهر الموجودة في زمان معين ومكان محدد.والمعرفــة عند «كانط» تتألف من عنصرين: مادة تأتي بها الحواس وصورة مصدرها العقل، المادة لا توجد من غير الصورة، والصورة بذاتها لا معنى لها لأن وظيفتها الاتحاد بالمادة.

مم تتكون المعرفة؟ (عناصر المعرفة) 

مادة المعرفة: الإحساسات المتفرقة التي تأتينا من الأشياء الخارجية، وهذه مصدرها التجربة أي نحصل عليها بعد التجربة، لذلك يسمى هذا الجانب من المعرفة (بعدي) أي بعد التجربة. صورة المعرفة: هي مقولات يضعها العقل ليشــكل بها التجربة (أو مادة المعرفة) أي أنها ليســت فطرية وإنما هي سابقة على التجربة  سبقا  منطقيا لا  زمنيا.

 شروط المعرفة:

 أ – الحساســية الصورية: صورتا الزمان والمكان: وهما صورتان عقليتان أوليتان، أي أنهما سابقتان على التجربة، وهما شــرطان أساســيان للإدراك الحسي، وبهما تنتظم المحسوسات في علاقات مكانية وتتابعات زمانية. ب – مقولات الفهم الصوري: وعددها اثنتا عشــرة مقولة تطبق على الظواهر أو المدركات الحســية فتجعــل منها قضايــا علمية أي معارف كلية وضرورية فيتم فهمهــا، ومن هذه المقولات: مقولة «الكم»، و «الكيف» و «الجوهر» و« ِّ العلية». كيف تتم المعرفة عنده؟

 التجربة تنتظم  وفقا لتصورات الذهن:

 يــرى « كانط» أن الأشــياء الخارجية تأتي إلينا على هيئة معطيات حســية تمدنــا بها الحواس هذه المعطيــات المختلفة هي عبارة عن مادة مختلطة ومشوشــة لا رابط بينهــا، ولا تنظيم وهي لا تكفي لكي أدرك الشيء بل لا بد أن تنتظم وتتجمع، وهذه وظيفة صورتي الزمان والمكان اللتين تجمعان المعطيات الحسية وتنظمها فتجعلها ً حدسا ً حسيا أي موضوعات قابلة للفهم. والزمــان والمكان معنيان كليان، قبليان، وهما صورتان يفرضهما الفكر على المعطيات المحسوســة فيجعل عالم الظواهر ً قابلا للإدراك. تصب هذه الحدوس في القوالب العقلية الاثنى عشر، فتتم لنا معرفة العالم.إذن – ما المعرفة الممكنة عند كانط..؟ هــي ما تنقله الحواس إلى العقل من معطيات تصب في قوالب الذهن أو المقولات مروراً بصورتي الزمان والمكان، ويقســم كانط العالم إلى عالم الظاهر وعالم الشــيء في ذاته الأول متناه والثاني لا متناه. والحواس لا تنقل إلينا إلا عالم الظاهر وحده، أما عالم الشيء في ذاته فهو خارج حدود التجربة بمفهومها السابق، وبالتالي فهو غير قابل للمعرفة. فالمعرفة الممكنة لا تتجاوز عالم الظاهر الخارجي للأشــياء، أما عالم الشيء في ذاته أي في حقيقته والــذي لا تصل إليه الحــواس فلا ينتظم في الزمان والمكان، وبالتالــي لا يخضع لمقولات العقل الأولية المتناهيــة والنتيجــة: إننا لن نعرف عنه شــيئا، فهو خارج نطاق إمكانية العقــل أي خارج حدود المعرفة الممكنة لدى الإنسان لأنه عالم لا متناه في حين أن الذهن البشري متناه ومحدود. وهكذا تخلص المثالية النقدية عند كانط إلى النتائج التالية: ١ – التجربــة لا توصف قط بأنها ذاتية خالصة أو موضوعية محضة، لأن مادة المعرفة قبل أن تنظمها قوالب العقل هي عبارة عن خليط غير منظم من الإحساسات لا يمكن تسميته معرفة. ومــن وجهــة أخرى فإن صورة المعرفة قبل أن تملأ بمادة (المعرفة) هي قوالب فارغة لا يمكن تسميتها معرفة. ٢ – المعرفةالوحيدة الممكنة لا تتجاوز ظواهر الأشياء، وهي معرفة محدودة متناهيةمشروطةبشرطي الزمان والمكان، وتلك سمة أساسية يتسم بها الفهم (المقولات)، أما اللامتناهي أو عالم «الشيء في ذاته»، فهو موضوع العقل الخالص، والذي يســعى بصورة دائمة (وغائية) إلى تجاوز حدوده لمعرفة «الشيء في ذاته» ولا يجني من ذلك سوى الوقوع في التناقض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Alert: Content is protected !!