الفلسفة

نماذج من الشك المنهجي

١ -في العالم الإسلامي

الإمام أبو حامد الغزالي (م١١١١ – ١٠٥٨) – (هـ٥٠٥ – ٤٥٠) 

هو واحد من أكبر مفكري الإسلام وأكثرهم شهرة، أطلق عليــه المؤرخون «حجة الإســلام» حيث أفاض في مختلف الشــؤون الإســلامية، وقام بتحليل وتقييم جميع المعارف في عصره، وقد استطاع بفضل منهجه المســتقل في التفكير والحكم أن يدافع عن الدين ضد المذهبية، وتورط الطائفية في الأخطاء من أجل رجحان مذهــب، وتقليد بعض الفلاســفة اليونانيين خاصة في موضــوع الإلهيــات أو الميتافيزيقا، فــكان طريقه في التفكير «الشــك المنهجي» ً بحثا عن نقطة ابتداء يقينية تبنى عليها المعرفة، كالتالي:

١ – لبدء بالشــك فيمــا كان  مطروحــا من مذاهب ومدارس مختلفة بعد الاطلاع على كافة مراجعها، حيث إن عصــر الغزالي بصفة خاصة قد عرف بكثرة المشكلات الطائفية وتنوع الفرق، وكثرة المدارس الفكرية والمذاهب التي يدعي كل منها أنه على حق.

 ٢ – كما شــك في كل المعارف الحســية والعقلية، لأن الشــك وحده هو الذي يجعل الوصول إلى الحقيقة أمراً ً ممكنا، ويقول الغزالي في ذلك:

 .. الشــكوك هي الموصلة إلى الحق فمن لم يشــك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى في العمى والضلال .. 

من الشك إلى اليقين:

 اســتعرض الغزالي علوم عصره عســاه أن يجد من بينها علما قد يوصله إلى اليقين، فلم يجد  علما موصوفا بهذه الصفة إلا في الحســيات (المادة المســتخدمة للبحث في مجــال الطبيعيات) والضروريات العقلية (العلوم الرياضية).

 فماذا كان شأنه معها؟

 ١ – الشك في الحواس:

 باختبار الحواس مفترضا أن اليقين قد يكون موجوداً في المعرفة الحســية، لكن بعد بدأ الغزالي أولا البحث شك الغزالي في شهادة الحواس، وذلك لأنها:

أولا : عاجزة عن إدراك بعض الحقائق. (علل)؟

 ثانيا : خادعة تصور لنا الأشياء على غير حقيقتها، فأنت تنظر إلى الظل فتراه  واقفا غير متحرك، وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيراً في مقدار دينار، مع أنه أكبر من الأرض في المقدار. وعليه فقد بطلت الثقة في المحسوسات.

 ٢ – الشك في أحكام العقل:

 العقــل  يكــذب الحس  تكذيبا لا ســبيل إلى مدافعته بعد أن كانت المعارف الحســية – قبل ذلك – معارف واضحة – فهل يصمد العقل أمام التجربة؟ وهل يكون العقل مصدراً أو أداة المعرفة اليقينية؟

 صحيح أن الشــك أوجد في مجال المعارف الحســية نقاط تشكيك كثيرة، لكن هذه النقاط لا توجه بالســهولة نفسها إلى العقل وخاصة: المعارف العقلية الأولية والبديهيات، ولكن فكما أمكن التشكيك في المعارف الحســية – والتي كانت تعتبر قبل ذلك معارف مباشــرة وواضحــة – من جانب العقل، أي من جانــب درجة للمعرفة أعلى منها، فلعل وراء إدراك العقل ً حاكما آخر إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى العقل  فكذب الحس، في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالته. 

المجاهدة الصوفية للوصول إلى اليقين:

 شــعر الغزالي بعد هذه الخواطر أنه أسير سجن مظلم، وأخذ يبحث عن وسيلة للخروج منه، وقضى حيــاة تصوف وعزلة ورياضة ومجاهدة، وعزوف عن الجاه والمــال والملذات، فعلم ً يقينا بعد ذلك «أن الصوفية هم السالكون إلى طريق االله» أي طريق الحق.

نص «١ «العلم الصوفي وعودة الثقة واليقين:

«علمت ً يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق االله تعالى، خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، وأن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرها وباطنها مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء النبوة، على وجه الأرض، نور يستضاء به .. فمن أول شروطها، تطهير القلب بالكلية عما ســوى االله، ومفتاحها اســتغراق القلب بالكلية بذكر االله، وآخرها الفناء في االله .. فيصبح ً مؤهلا لتلقي النور الإلهي الذي يقذفه االله في القلب فمن ذلك النور يطلب الكشف ..».

كتاب«المنقذ من الضلال» 

للإمام الغزالي 

الأفكار الأساسية في النص قسمان:

 أ – صفات المتصوفة.

 (استخرجها من النص).

 ب – مرتبة الإلهام الصوفي وعلاقته بالنبوة (ما أهمية هذا التشبيه؟)

 كيف توصل الغزالي إلى هذا العلم؟

بناءا على ما ورد في – المصدر الســابق – «إن ذلك لم يكن بنظم دليل وترتيب كلام بل بنور قذفه بناء االله تعالى في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف». توصــل الغزالي عن طريق المجاهدة الصوفيــة إلى معرفة الحق المطلق (االله) وهذه المعرفة لا نصل إليهــا عن طريق الحواس، ولا نصل إليها عن طريق العقل وإنما طريق هذه المعرفة هو الحدس أو العيان ً مباشراً دون واسطة) وقد عرض الغزالي هذه المعرفة الحدسية المباشــر (اتصال الذات بالموضوع اتصالا على أنها نور قذفه االله في صدره، فهل هذا النور يقذفه االله تعالى في قلب أي إنسان؟ لقد وصف الغزالي بالتفصيل الطريق والمنهج الذي يوصل إلى ذلك، وهي معرفة «ذوقية» لا يعرفها إلا صاحبها، ومعنى ذلك أن من يحصل عليها لا يستطيع أن ينقلها إلى الغير، وعلى الباحث عن اليقين أن يسلك الطريق بنفسه.

 درجات اليقين في المعرفة عند الغزالي:

 ١ – المعرفة الحسية هي أدنى مرتبة، لما هو معروف عن أخطائها، وتغير موضوعاتها.

 ٢ – المعرفة العقلية أكثر ً يقينا لأنها تستند إلى الاستدلال المنطقي.

 ٣ – المعرفة الحدســية تتصف باليقين المطلق، فهي نور من عند االله ومصدر كل معرفة وتمكننا من معرفة المصدر والذي منه ينبعث كل نور، لأنها مشهود مباشر للحق المطلق. 

٢ – الشك المنهجي في الفلسفة الغربية.

(م١٦٥٠ -١٥٩٦)  ديكارت

 يعد الفيلســوف الفرنســي «رينيه ديكارت» أبرز الفلاســفة الغربيين الذين ترتبط أسماؤهم بالشك المنهجي. استهدف ديكارت بشكه المنهجي الوصول إلى اليقين، فالعقل حافل بأفكار بعضها خاطئ وعلى ً من كل المعتقدات السابقة، وألا يقبل بعد ذلك ً موضوعا ما الإنسان من أجل بلوغ الحقيقة أن يتحرر أولا على أنه حقيقة إلا إذا اتصف بالوضوح، والتميز، فمعيار الحقيقة إذن هو الوضوح والتميز.

أسباب الشك الديكارتي: 

فــي كتابه «تأمــلات في الفلســفة الأولــى» يقول ديكارت: إنه يلزم أن نضع موضع الشــك جميع الأشياء بقدر الإمكان، ويبرر ذلك بأنه منذ حداثة ســنه قد تلقى قدراً كبيراً من الآراء الباطلة وحســبها صحيحة، فكل ما بنــاه منذ ذلك الحين من مبــادئ على هذا القدر من قلة الوثوق لا يكون إلا ً مشكوكا فيه، وإذن فيلزم إذا أردنا أن نقيم شـ ً ـيئا ً متينا في العلوم أن نبدأ بكل شيء من جديد وأن نوجه النظر إلى الأسس التي يقوم عليها البناء.ونستطيع أن نضع موضع الشك:١ – المعطيات الخاصة للحواس فالحواس تخدعنا والأفضل ألا نثق فيها. ٢ – الأشــياء العامة كالعيون والرؤوس والأيدي التــي يمكن أن تتألف منها الخيالات، على اعتبار أن هذه الأشياء العامة يمكن أن تكون نفسها خيالية محضة. ٣ – العناصر العامة كالامتداد والكم والعدد والمكان والزمان. فالرياضيات هي أكثر العلوم ً يقينا، ولكن الشك فيها ممكن ً أيضا، إذ إن ً أناسا كثيرين قد أخطأوا في الهندسة والحساب، بل إنني عندما أقول ٢+٣ = ٥ فمن يدريني أنني لا أخطئ، فقد يكون االله قد أراد لي أن أخطــئ في ذلك، فإذا كان االله ً منزها عن الخطأ، فقد يكون هناك شــيطان خبيث قد أخذ على عاتقه أن يضللني، فأظهر لى الباطل  صوابا.

من الشك إلى اليقين:

 ١ – إثبات وجود النفس (مبدأ الكوجيتو): ينتهي ديكارت إلى أنه على الرغم مما ذهب إليه من شك، فهناك حقيقة لا يستطيع أن يشك فيها، وهي أنني – فيما يقول ديكارت – أشــك، والشــك نوع من أنواع التفكير، إذن أنا أفكر، ومادمت أفكر فهنــاك ذات فاعلــة – (لكل فعل فاعل) ومن ثم أنا أفكــر.. إذن فأنا موجود، وذلك هو المبدأ الديكارتي الشهير المعروف باسم مبدأ «الكوجيتو» حيث ذكر العبارة باللغة اللاتينية .. Sum Ergo, Cogito ومن هذه الحقيقة يبدأ ديكارت في إقامة بنائه الفلسفي. ٢ – من الكوجيتو إلى االله: بعدأن أثبت ديكارت وجوده كذات مفكرة، كان من الطبيعي أن يتحول عن هذه النقطة إلى «مضمون» أفكاره، «فالأنا» التي أثبت وجودها هي شىء ما ماهيته التفكير والشك، لكن الشك نقص، إذ لو كنت ً كاملا لامتنع الشك، وها هنا تظهر فكرة الموجود الكامل وهو االله (الكامل)، ويذهب ديكارت إلى أنني لا يمكن أن أكــون مصدرها فهذه الفكرة تصور لــي «جوهراً لا ً متناهيا»، فحقيقة هــذا الجوهر تتجاوز إذن ماهيتي وحقيقتي، لأني كائن متناه، وفكرة «الكامل» لا يمكن أن تنتجها قدرة ناقصة فأنا نفسي كائن ناقص كما هو واضح من حالة شكي، فلا بد أن يكون هناك كائن كامل هو مصدر «الفكرة»، هذا الكائن الكامل هو االله. فحقيقة هذا الجوهر تتجاوز إذن ماهيتي وحقيقتي. إن فكرة االله على النحو الذي بيناه، لا يمكن أن يكون مصدرها ً كائنا آخر غير االله نفســه، ويؤدي بنا هذا التأمل إلى أن نستنتج ضرورة وجوده في الخارج (كحقيقة خارج ذهنه) وهو موجود لا متناه ومطلق الكمال، وهو الذي أودع في نفسي هذه الفكرة، االله موجود، وأن وجودي يتوقف عليه ً توقفا ً تاما. نص رقم «١« «الحق أنه لا ينبغي أن نعجب من أن االله حين خلقني غرس ّ في هذه الفكرة لكي تكون علامة للصانع مطبوعة على صنعته، وليس من الضروري كذلك أن تكون هذه العلاقة ً شيئا ً مختلفا عن هذه الصفة نفسها،ولكن مجرد اعتبار أن االله خلقني يرجح عندي الاعتقاد بأنه قد جعلني من بعض الوجوه على صورته أو على مثاله».تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى ترجمة الدكتور/ كمال الحاج
ويمضــي ديكارت  قدما في إثبات وجود الأجســام والعالم الخارجي بعــد أن تم إثبات وجود االله، الضامن لصحة أفكاره والتي تتميز بالوضوح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Alert: Content is protected !!